قـالت سـارة:
لا أصدق ان مر على ولادة يحيى 9 أشهر.. وكأني كنت أحمله داخل رحمي بالأمس
أصبح انسان آخر.. زاد وزنه وأصبح شديد الشبه بى وفى خده غمازة تظهر بشدة عندما يضحك.. بدأ يحبو على الأرض ويضحك بشدة عندما ألاعبه
وعندما أجرى وراءه يحبو بأقصى سرعته ليختبأ تحت الكنبة ويتخيل اني لا أراه !! ومتعلق بى بشكل لا يوصف وعندما يجد أي شىء ملقى على الأرض لا يتردد أن يتذوقه أولا وان لم يعجبه يعطيه لي بنفس راضية.. مما جعلني طوال اليوم لا همّ لى الا أن أجعل الارض لا شىء عليها على الاطلاق لأنه لا يفرق بين المسامير والحلوى.. كله الى فمه.. وجعلني لا أهدأ طوال اليوم من التفتيش تحت اى كرسي يحلو له ان يختبىء تحته عن اى شىء ملقى ولو قطعة كلينكس خوفا من أن يبتلعها
مرحلة خطيرة جدا مرحلة الحبو دي.. ربنا يستر وتعدي على خير من غير ما عمر يطلقني.. لأنه لو وجد أي شىء ولو بنسة شعر سقطت مني تحول الى خناقة كبيرة خوفا على حياة الباشا
*******
قـال عمـر:
ياااه على الروتين والشغل اللي ما بيرحمش.. انا بجد تعبت خلاص.. نفسي آخد أجازة وأروح فى مكان فااااضى لا أرى أى أحد على الاطلاق
قدمت على اجازة أسبوع وبالعافية رضيوا على 4 أيام فقط منهم الجمعة والسبت طبعا.. بس مش مهم.. المهم اني اتخنقت وعاوز تغيير حالا
سارة كمان مطحونة بين شغلها وبين يحيى اللى أصبح عفريت وعاوز حارس عليه 24 ساعة كى لا يبتلع سم فيران مثلا
كلمت صديق قديم لي يمتلك شالية منعزل على شاطىء البحر الأحمر بعييييييد عن كل العالم.. الظاهر انهم بنوه علشان يقتلوا فيه حد وبعدين غيروا رأيهم.. الشاليه يجنن يبعد عن أى مبانى حوالى 30 كيلو.. وهو ده اللى انا عاوزه بالظبط
*******
قـالت سـارة:
اهلا اهلا بالاستاذ يحيى أخبار مغامرات سعادتك ايه النهاردة؟
قالها عمر وهو يحتضن يحيى الذى هلل لرؤيته وأخذ يقفز بين ذراعيه
قلت له: أسكت يا عمر ده جننني النهاردة طول النهار مستخبي وبأدور عليه يا امّا تحت السفرة يااما جوه دولاب المطبخ بيلعب فى الحلل.. انت أكيد كنت جن زيه كده وانت صغير وهو طالع لك
ضحك بقوة وأجاب: ايوة كده خليه راجل أمّال عاوزاه بنوتة؟ اما أنا محضر لك حتة مفاجأة تحفة
قفزت من الفرح وانا أسمع وأمسكته من رقبته: مفاجأة؟ ايه يالا قول بسرررعة احسن مش ح يحصل لك طيب
قال لي مبتسماً: ياساتر يارب.. هو ده الرد؟ على العموم انا ح أقول ليحيى مش ليكى.. بص ياكابتن انا عارف انك ما شفتش بحر قبل كده علشان كده يالاّ روح هات المايوة بتاعك علشان ح نروح شالية يجنن انا وانت بس وح نسيب ماما المفترية دي هنا
وكأن يحيى فهم الكلام.. انه مطلوب منه شىء فأخذ يحبو بسرعة وذهب يحضر الدبدوب المفضل عنده واعطاه لأبيه وظهرت علامات الحيرة على وجهه عندما غرقنا في الضحك من تصرفه وكأنه يقول فى سره: العالم دي مجانين ولا ايه النظام؟
سألت عمر: شاليه ايه يا عمر؟ ايه ده صاحبك وافق؟ الشالية بتاع البحر الاحمر؟
رد فى نشوة: ايوة يا سارة 3 ايام ما نشوفش ولا مخلوق السماء والبحر والهدوووووووء
فتحرك القلق داخلى لا اعرف له سببا وقلت له: هي طبعا حاجة مغرية جدا بس مش يمكن نحتاج حاجة ولا تحصل مشكلة هناك؟
فرد بتبرم: انتي على طول متشائمة كده يا بنتي؟ ح يحصل ايه يعني؟ العفاريت ح ياكلونا؟ الشاليه مجهز بكل حاجة وحناخد كل أكلنا معانا ح يحصل يعني؟ يالاّ حضري كل لوازمنا علشان نلحق نوصل.. الطريق طويل
*******
وأخييييرا وصلنا مع أول خيوط للفجر
المكان منعزل عن العالم ولكنه ساحر.. شاليه رائع من طابقين مبنى على الطراز الانجليزى وتحيطه حديقة صغيرة ومطل على البحر الذى لم أر فى صفاء مياهه من قبل ودرجاته الفيروزية والزرقاء التى تجعلك تسبح لله كل لحظة من فرط روعته.. وفي الداخل وجدناه مؤسس بذوق راقى وبسيط يجعلك تشعر بالراحة من اول لحظة.. ونسمات البحر الرائعة تغسل عنا تعب العمل وارهاقه وتوقظ المشاعر التى خنقتها الروتين والرتابة
افرغت الحقائب بسرعة وصلينا الفجر انا وعمر ولم نستطع النوم فتسللنا وتركنا يحيى نائما وجلسنا على الرمال الناعمة نراقب الشروق وأشعة الشمس الوليدة التى تعانق الامواج على استحياء وكأنها عروس خجلى
نظر لي عمر نظرة لم أرها من شهور من فرط انشغالنا فى العمل والمسئوليات.. وقال لي
بحبك -
*******
قـال عمـر:
ياسلام لو الواحد يعيش كده طول عمره.. يااه أعصابي رايقة جدا وسارة في قمة السعادة وهى تحاول أن تبلل أرجل يحيى فى مياة البحر وهو خائف وينظر لهذا الشىء الخرافى الذى يراه لأول مرة وكأنه يقول: البتاع ده ما شفتوش فى البيت عندنا قبل كده.. ثم بعد فترة تعجبه اللعبة ويحرك يديه وقدميه بكل قوة حتى يغرق أمه وهي تهدده بانتقامه
*******
قـالت سـارة:
مرت علينا أمسية هادئة ونحن ننعم بالهدوء والصفاء ولم يكدرني سوى اني لاحظت ان يحيى يرفض الطعام منذ عدة ساعات.. وبعد فترة وجدته يصرخ ويبكى بلا انقطاع.. حاول عمر طمأنتي انه من تغيير الجو.. حاولت تصديق هذا وأعطيته دواء للمغص ولكنه لم يستقر فى معدته لدقائق وتقيئه بشكل أفزعني.. ولم تمضي الا ساعة ووجدت لديه اسهال رهيب والقىء لا ينقطع وحرارته مرتفعة جدا.. صرخت على عمر الذى ارتبك ولم يدرى ماذا يفعل
مرض يحيى من قبل عدة مرات.. ولكنه أبدا لم يكن بمثل هذه الشدة.. نظرت اليه وهو تقريبا مغشى عليه من فرط السوائل التى فقدها بشكل مفاجىء.. ارتجفت ولم تحملني قدماي وبكى عمر وهو يرتدي ملابسه بسرعة لنذهب لأقرب طبيب.. ولكن أين الطبيب فى هذا المكان المنعزل وفى هذا الوقت من السنة والذى لم يبدأ فيه موسم التصييف بعد فجميع القرى السياحية – البعيدة جدا – أيضا خاوية
*******
قـال عمـر:
جرينا على السيارة وسارة تحمل يحيى وهو تقريبا فاقد الوعى وفى شدة الذبول وأنا لا أعرف الى أين أذهب؟ ودموع سارة لا تتوقف وهي تردد كلمة واحدة بمنتهى الوعيد: انت السبب انا قلت لك بلاش المكان المقطوع ده.. لو حصل حاجة لابنى مش ح اسامحك أبداً
وكأنه ليس ابنى انا الآخر.. فعلا الانثى فى الاصل أم ثم زوجة
مرت نحو ساعة ونصف وأنا أسير بلا هدى ولا أجد بشائر لأي مستشفى او حتى عيادة وانا أصرخ داعيا الله ان يغيثنا.. وكل لحظة يحيى يزداد ذبولا وشحوبا.. وسارة يكاد قلبها يتوقف من فرط البكاء والدعاء.. حتى أخيرا وجدنا نقطة اسعاف على الطريق العام ويبدو انها مهجورة فجرينا عليها فلم نجد الا حجرة واحدة للكشف يبدو ان لم يدخلها مريض من اعوام ووجدنا ممرض نصف نائم قابلنا ببرود شديد.. صرخنا به سائلين عن الطبيب فأخبرنا بلا مبالاة أنه ليس موجود
لأول مرة فى حياتي أرى سارة الوديعة تتحول الى نمرة شرسة مستعدة للقتل فى أي لحظة وصوتها يصل الى عنان السماء وهى تصرخ فى الممرض بشراسة: لو في ظرف 5 دقايق ما جبتش الدكتور حالا اقسم بالله العظيم لأقتلك بايدي وادفنك في الحتة المقطوعة دي
ويبدو ان الرجل ارتعب من غضبها الهائل وفر كالريح يوقظ الطبيب من سكن الاطباء.. وجاء لنجده طبيب صغير السن حديث التعيين.. لا اعرف كيف يضعون طبيب قليل التجربة فى مكان وحده لا يجد من يعلمه ويكون مسئول بمفرده عن كل شىء
*******
قـالت سـارة:
بدأ الطبيب في الكشف على يحيى وتعابير وجهه غير مطمئنة وبعد قليل أخبرنا أن الحالة محتمل ان تكون تسمم من ابتلاعه شىء فاسد أدت الى حالة القىء والاسهال الشديدين والاهم الآن هو انقاذه من حالة الجفاف الخطيرة
هبط علينا كلامه كالصاعقة وأحسست برعب لم أشعر به فى حياتي.. توقف عقلي عن العمل وتوقفت الحياة عن دورانها حتى البكاء لا اقدر عليه.. أنظر اليه وهو فاقد الوعي وشاحب شحوب الموتى.. أكيد ابتلع شىء من الشالية او البحر فى غفلة مني.. بماذا تشعر الأم اذا مات ولدها؟.. يارب
لم أستطع الحفاظ على نعمتك فسامحني واحفظها لي برحمتك وسلطانك.. يارب يارب
*******
قـال عمـر:
انطلقت بأقصى سرعة الى الصيدلية للمرة الألف لاحضار المحاليل والادوية التى يطلبها الطبيب كل ساعة.. يحيى يزداد ذبولا ولا يستعيد وعيه من شدة الجفاف منذ 5 ساعات وسارة لا تفارقه وكل المحاليل تخترق أوردته بلا فائدة.. يارب لا أعرف كيف أدعوك فى هذه المحنة قد أكون ارتكبت
العديد من الذنوب ولا أستحق غفرانك.. ولكن ارحم هذا الملاك من أجل أمه التى تفقد الحياة كل دقيقة جواره.. ارحمه من أجلي فهو نبض قلبي وثمرة عمري
ظهرت أنوار نقطة الاسعاف أمامي.. وقبل أن أصل وجدت رجل عجوز مسكين ينام على جانب الطريق.. لا أعرف من أين جاءني هذا الخاطر فأوقفت السيارة وانا فى أمس الحاجة لكل دقيقة.. نزلت وأعطيته كل المال الذى فى جيبي بدون أن أبقى معى شىء وبلا تفكير.. تذكرت: داووا مرضاكم بالصدقة.. لعل الله ينقذ بها ابني الوحيد.. يارب يارب
اقتربت وانا أخشى أن أرى وجوهاً باكية في انتظاري.. ولكني وجدت سارة تهرول فى اتجاهي وصوتها مختلط بين البكاء وعدم التصديق وهي تهتف
يحيى فاق يا عمر -
*******
منقول