Admin Admin
عدد الرسائل : 171 العمر : 49 الموقع : Egypt تاريخ التسجيل : 15/01/2008
ماذا يحدث اللعب: 2
| موضوع: فلسفة عم عبد الواحد السبت 22 مارس 2008 - 16:07 | |
| مقدمة للكاتبهذه صورة من الحياة ... عشتها وانفعلت بها ... فأصبحت جزء من نفسى ... وقطعة من كيانى ... إنها نبضات قلوب عاشت طهر الحب ... وانحدرت إلى هاوية الخطيئة ... إنها مجموعة من الومضات والخلجات ... من الأحاسيس والمشاعر ... جمعتها من نفوس حائرة لا تعرف موقعها من الحياة ... شربت كأسها الحلوة ... وكأسها المرة ... انغمست فى الخطيئة ... ثم ارتدت إلى الفضيلة ... تهفو إلى الحرية ، وتسعى إلى العبودية ... تثور على التقاليد ... ولكنها تعيش فى ظلها راضية مرضيةإنها لمحات من الحياة بكل ما تزخر به من متناقضات ... من سعادة وشقاء ... ضحكات ودموع ... خير وشر ... حب وكراهية ... أمل ويأس ... قلق واستقرارإنها صور مختلفة من الصراعات التى تدور داخل النفوس ، بين العقل والقلب ... الطهر والرذيلة ... المبادىء والخطيئة ... القناعة والجشعإنها صراعات بين الملاك والشيطان ... أحيانا ينتصر الملاك ... وأحيانا ينتصر الشيطان**********أخرج عم عبد الواحد من جيبه مظروفا وقال فى صوت يبدو فيه الانفعال: شايف التلغراف ده؟ .. أنا جاى الوزارة النهاردة مخصوص علشان أحطه فى عين المدير العامفلسفة عم عبد الواحداعتدت أن أراه مبتسماً راضياً قانعاً .. لا يشغله من أمر الدنيا شىء . يعيش وحيداً لا زوجة ولا ولد ولا أهل ولا أقرباء ولا صديق ولا رفيق . إذا شعر بالوحدة لجأ إلى أقرب مسجد وفى رحاب الله تطمئن نفسه ويهدأ باله ويرتاح قلبه ويصفو فؤاده . وفى أحيان كثيرة يغلبه النعاس وهو يقرأ القرآن فيختار ركناً هادئاً فى المسجد فينام فيه حتى تحين صلاة الفجر .. وبعد الصلاة يواصل قراءة القرآن إلى أن يأتى موعد عمله فيذهب إليهوعم عبد الواحد- وهذا هو اسمه - الذى اشتهر به عمله وبين سكان الحى الذى يقيم فيه ، موظف صغير فى أرشيف إحدى الوزارات ، ورغم ذلك فإن مكانته كبيرة بين زملائه وأهل حيه لتقواه وورعه وطيبة قلبه وسعة اطلاعه ، وكثيرا ما يستدعيه بعض كبار الموظفين من رؤسائه ليفسر لهم آية قرآنية أو حديثا شريفاوفلسفة عم عبد الواحد فى الحياة والقناعة والرضا والإيمان الشديد بالله .. لا يشكو ولا يتذمر أبداً .. تجده دائماً راضياً شاكراً حامداً ربه على ما قسمه له .. وإذا واجهته مشكلة وعجز عن حلها فإن الابتسامة تظل مرتسمة على وجهه لا تختفى أبداً . وتجد دائماً راضياً شاكراً لا يعاند القدر .. بل يسير دائماً فى الطريق الذى رسمه الله لهومنذ أيام التقيت به صدفة فى أحد الشوارع المؤدية إلى الوزارة ، وعندما رآنى بادرنى بقوله: انت فين يا بيه .. دى الوزارة كلها بتسأل عنك . ثم أطرق برأسه وواصل حديثه قائلاً: عارف انك بتحب لى الخير ، وعلشان كده حأقول لك حاجة عن عمك عبد الواحد تفرحكوهنا انفرجت أسارير وجهه ولمعت عيناه وهو يخبرنى فى سعادة غامرة أنه عثر على وظيفة بعد الظهر مرتبها خمسمائة جنيه فى الشهر ، قلت له مهنئاً: مبروك يا عم عبد الواحد -قال لى: مبروك على ايه يا بيه .. هو أنا لسه عارف المدير العام بتاعنا حيوافق ولا لأقلت: هل تريد أن أكلمهقال: لا يا بيه .. أنا واسطتى ربناوهنا رفع رأسه إلى السماء وهو يقول بصوت مملوء بالثقة: سبحانك .. أنت وحدك المعينقلت: ولكنك لم تقل لى ما هى هذه الوظيفة الجديدةقال: كاتب فى محل مانيفاتورةوقلت: ولكن ماذا الذى جعلك تفكر فى العمل بعد الظهر؟قال: ماخبيش عليك يا بيه .. أنا كبرت وداخل على الستين ، وصاحب مرض .. ولازم لى واحدة بنت حلال تكون جنبى وأنا بودع الدنيا تسند رأسى وتسبل عينيهقلت: هذا قرار حكيم يا عم عبد الواحد .. ولكن ماذا ستفعل إذا رفض المدير العام طلبك؟قال: تبقى دى إرادة ربنا ويبقى ربنا سبحانه وتعالى عايز يحمينى من شر كان حيحصل من ورا الشغلانة دىوأمسك عم عبد الواحد بذراعى وضغط عليه بشدة وهو يقول: العبد عليه يسعى .. وبعد كده يسلم أمره للخالقوبعد أيام قابلت عم عبد الواحد . كان لقاؤنا هذه المرة على سلم الوزارة . كانت علامات الرضا تبدو على وجهه كالمعتاد ، وكنت مشتاقاً أن أعرف منه أخبار الوظيفة الجديدة فسألته فى لهفةازى حالك يا عم عبد الواحد .. أخبار الوظيفة ايه؟ -فرد على سؤالى فى استنكار قائلاوظيفة ايه يا بيه .. ربنا موجود -قلت: يبدو ان الله فتح عليك من طريق آخرقال: دا اللى ربنا بعتهولى حاجة كبيرة قوىقلت: يا ترى ايه .. فرحنى يا عم عبد الواحدقال: القصة طويلة قوى .. تعالَ فى مكتبى وأنا أحكيهالكونزلنا إلى بدروم الوزارة حيث يوجد مكتب عم عبد الواحد .. وطلب لى واحد شاى كشرى ، وجلست أستمع إلى قصته باهتمام شديد . قال: عندما ذهبت لمقابلة المدير العام وطلبت منه الموافقة على الوظيفة الجديدة بدأ يكلمنى بعنجهية وأسلوب لم أتعوده وأنا راجل كبير فى السن .. ومعروف إنى بتاع ربنا والناس كلها بتحترمنى .. وتعجبت لهذه المقابلة الغريبة .. لقد كان يحدثنى تارة من أنفه وتارة أخرى من تحت ضرسه .. وفجأة هب واقفاً وهو يصيح فى وجهى: انت يا راجل مش عارف انك فى وزارة محترمة .. ازاى تبقى موظف عندنا وعايز تشتغل فى محل مانيفاتورة .. مش عيب؟ لازم تعرف ان الحكومة لها كرامةقلت له مستعطفاً: أنا عارف يا سعادة البيه انى فى وزارة محترمة وطول عمرى بحافظ على كرامة الحكومة .. بس دا أنا حاشتغل فى عمل شريف علشان آكل منه عيش .. وشغلانة كاتب مش عيبوزاد هياج المدير العام وارتفع صياحه ، وأمسك بطلبى ومزقه وألقاه فى سلة المهملات وهو يقول: اتفضل شوف شغلك وبلاش مسخرة وكلام فارغ .. قال مانيفاتورة قال .. ناقص تقول لى عايز أشتغل زبالوهنا أخرج عم عبد الواحد منديله من جيبه وأخذ يجفف حبات العرق التى تناثرت على جبهته وبدأت تتساقط على وجهه من شدة الحرارة والانفعال والتأثر .. ثم واصل حديثه قائلا: وتركت المدير العام إلى مسجد الوزارة حيث أديت صلاة الظهر ثم قرأت ما تيسر من الآيات الكريمة ، فأحسست براحة وطمأنينة ، وشعرت أنى قريب إلى الله .. وزالت عن نفسى كل الهموم التى سببها لى المدير العاموسألت عم عبد الواحد وأنا متلهف لسماع باقى قصته: وماذا حدث بعد ذلك؟قال: بعد أن صليت الظهر ذهبت إلى دارة شئون الأفراد وطلبت السماح لى بأجازة أسبوعقلت: ولماذا طلبت القيام بالأجازة؟قال: لقد اعتدت فى شهر رمضان من كل عام أن أقضى أسبوعا متنقلا بين مساجد حى الحسين .. إنها متعة بالنسبة لى ما بعدها متعةوسكت قليلا وشعرت أنه يستعد لإعلان خبر هام ، ثم قال: بعد ذلك توجهت إلى منزلى فى حى الشرابية .. وهناك كانت تنتظرنى مفاجأة .. وجدت تلغرافاً ,, ولا أخفى عليك الخوف الذى أصابنى .. فقد ظننت أن المدير العام قرر فصلى ، وأمسكت بالتلغراف بيد مرتعشة وقرأته .. فإذا به تلغراف تعيين وليس فصلا .. لقد كان من وزارة الأوقاف تخطرنى فيه بتعيينى واعظاً غير متفرغ فى أحد مساجدهاقلت: وكيف تم ذلك؟ .. هل سبق لك أن قدمت طلباً للوزارة؟قال: نعم ، ولكنك لن تصدق إذا قلت لك أننى قدمته منذ أكثر من سنتينقلت: شىء غريب أن الوزارة افتكرتك بعد هذه المدة الطويلةقال: ما غريب الا الشيطان يا بيه .. دا ربنا أراد أن يؤدب هذا المدير العام ويعطيه درساً قاسياً ، فأرسل لى هذه الوظيفة المحترمة حتى لا يستطيع رفضهاثم توقف عم عبد الواحد فجأة عن الكلام ، وأخذ يتمتم بصوت مسموع ببعض الآيات والدعوات وهو يرفع يديه إلى السماء ثم يمسح بهما على وجهه متباركاً .. وقبل أن يستأنف حديثه سألته: ولكنك أخبرتنى أنك فى أجازة .. فما الذى جاء بك اليوم إلى الوزارة؟قال: قطعت الأجازةقلت: ولماذا قطعتها؟وقبل أن يجيب على سؤالى رمقنى بنظرة فيها شىء من الاستنكار ثم أخرج من جيبه مظروفاً وقال فى صوت يبدو عليه الانفعال: شايف التلغراف ده .. أنا جاى الوزارة النهاردة مخصوص علشان أحطه فى عين المدير العامبقلم : سمير عبد القادر | |
|